الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن
ويقال ويح وويس بمعنى واحد وقيل ويح كلمة رحمة وروي ذلك عن الحسن.وقد اختلف الناس فيما كان من علي كرم الله وجهه في أمر المرتدين فروى عكرمة أنه أحرقهم بالنار، وزعم بعضهم أنه لم يحرقهم بالنار ولكنه حفر لهم أسرابًا ودخن عليهم واستتابهم فلم يتوبوا حتى قتلهم الدخان، واحتج أهل الروية الأولى بقول الشاعر فيهم.أنشدنا ابن الأعرابي، عَن أبي ميسرة عن الحميدي عن سفيان بن عيينة عن بعضهم في هذه القصة. زعموا أنه حفر لهم حفرًا وأشعل النار وأمر أن يرمى بهم فيها.واختلف أهل العلم فيمن قتل رجلًا بالنار فأحرقه بها هل يفعل به مثل ذلك أم لا، فقال غير واحد من أهل العلم يحرق القاتل بالنار، وكذلك قال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وروي معنى ذلك عن الشعبي وعمر بن عبد العزيز.وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه يقتل بالسيف وروي ذلك عن عطاء.قال أبو داود: حدثنا محمد بن سنان الباهلي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله إلاّ في إحدى ثلاث زنى بعد إحصان فإنه يرجم. ورجل خرج محاربًا لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض. أو يقتل نفسًا فيقتل بها».قلت: في هذا الحديث دلالة على أن الإمام بالخيار في أمر المحاربين بين أن يقتل أو يصلب أو ينفي من الأرض، وإلى هذا ذهب مالك بن أنس وأبو ثور.وروي عن الحسن ومجاهد وعطاء والنخعي، وقال الشافعي تقام عليهم الحدود بقدر جناياتهم لمن قتل منهم وأخذ مالًا قتل وصلب، وإذا قتل ولم يأخذ مالًا قتل ولم يصلب ودفع إلى أوليائه ليدفنوه. ومن أخذ مالًا ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى وخلي، ومن حضر وهيّب وكثر أو كان ردءًا يدفع عنهم عزر وحبس، وروي معنى ذلك عن ابن عباس إلاّ أنه قال إن لم يقتل ولم يأخذ مالًا بقي، وممن ذهب إلى قول ابن عباس قتادة والنخعي.وقال الأوزاعى نحوًا من ذلك ومذهب أبي حنيفة وأصحابه قريب من ذلك. وفي قوله أو يقتل نفسًا فيقتل بها مستدل من جهة العموم لمن رأى قتل الحر بالعبد.قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا قرة بن خالد حدثنا حميد بن هلال حدثنا أبو بردة، عَن أبي موسى «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل، قال فلما قدم عليه معاذ قال انزل وألقى له وسادة وإذا رجل عنده موثق؛ قال ما هذا قال هذا كان يهوديًا فأسلم ثم راجع دينه دين السوء قال لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسول، قال اجلس نعم قال لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فأمر به فقتل».قلت: الظاهر من هذا الخبر أنه رأى قتله من غير استتابة ولا استتابة وذهب إلى هذا الرأي عبيد بن عمير وطاوس، وقد روى ذلك أيضًا عن الحسن البصري.وروي عن عطاء أنه قال إن كان أصله مسلمًا فارتد فإنه لا يستتاب وإن كان مشركًا فأسلم ثم ارتد فإنه يستتاب.وقال أكثر أهل العلم لا يقتل حتى يستتاب إلا أنهم اختلفوا في مدة الاستتابة فقال بعضهم يستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل، روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه قال أحمد وإسحاق؛ وقال مالك بن أنس أرى الثلاث حسنًا وإنه ليعجبني.وقال أبو حنيفة وأصحابه يستتاب ثلاث مرات في ثلاث أيام. وقال الشافعي في أحد قوليه يستتاب فإن تاب وإلا قتل مكانه، قال وهذا أقيس في النظر وعن الزهري يستتاب ثلاث مرات فإن تاب وإلا ضربت عنقه.قلت: وروى أبو داود هذه القصة من طريق الحماني عن يزيد بن أبي بردة عن أبيه، عَن أبي موسى فقال فيها وكان قد استتيب قبل ذلك فرواها من طريق المسعودي عن القاسم قال فلم يترك حتى ضرب عنقه وما استتابه.
وفي الحديث من الفقه أن إبل الصدقة قد تجوز لأبناء السبيل شرب ألبانها وذلك أن هذه اللقاح كانت من إبل الصدقة، روي ذلك في هذا الحديث من غير هذا الطريق حدثناه ابن الأعرابي حدثنا الزعفراني حدثنا عمر حدثنا حماد حدثنا حميد وقتادة وثابت عن أنس فذكر القصة وقال فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة وفيه إباحة التداوي بالمحرم عند الضروري لأن الأبوال كلها نجسة من مأكول اللحم وغير مأكوله.قال أبو داود: حدثنا عمر بن عثمان حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى، عَن أبي قلابة عن أنس بن مالك وذكر القصة وقال فيها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قافة فأتي بهم فأنزل الله عز وجل: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا} [المائدة: 33] الآية.القافة جمع القائف وهو الذي يتبع الأثر ويطلب الضالة والهارب.قلت: وقد اختلف الناس فيمن نزلت فيه هذه الآية فروي مدرجًا في هذا الخبر أنها نزلت في هؤلاء، وقد ذكر أبو قلابة أن هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله.وذهب الحسن البصري أيضًا إلى أن الآية إنما نزلت في الكفار دون المسلمين وذلك أن المسلم لا يحارب الله ورسوله، وقال أكثر العلماء نزلت الآية في أهل الإسلام، والدليل على ذلك قوله: {إلاّ الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم} [المائدة: 34] والإسلام يحقن الدم قبل القدرة وبعدها فعلم أن المراد به المسلمون، فأما قوله: {يحاربون الله ورسوله} فمعناه يحاربون المسلمين الذين هم حزب الله وحزب رسوله فأضيف ذلك إلى الله وإلى الرسول إذ كان هذا الفعل في الخلاف لأمرهما راجعًا إلى مخالفتهما، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: «من آذى لي وليًا فقد بادرني بالمحاربة».قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس وذكر الحديث قال ولقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشًا حتى ماتوا.قوله: يكدم الأرض أي يتناولها بفمه ويعض عليها بأسنانه؛ وأصل الكدم العض والعرب تقول في قلة المرعى ما بقيت عندنا إلا كدامة ترعاها الإبل أي مقدار ما تتناولها بمقاديم أسنانها.وقد اختلف الناس في تأويل هذا الصنيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فروي عن ابن سيرين أن هذا إنما كان منه قبل أن تنزل الحدود وعن أبي الزناد أنه قال: لما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بهم أنزل الله الحدود فوعظه ونهاه عن المثلة فلم يعد.قلت: وروى سليمان التيمي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سمل أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة، حدثنيه الحسن بن يحيى، عَن أبي المنذر عن الفضل بن سهل الأعرج عن يحيى بن غيلان عن يزيد بن زريع عن سليمان التيمي يريد أنه إنما اقتص منهم على أمثال فعلهم.
|